عُمان عبر التاريخ

عُمان عبر التاريخ

لقد وجد الإنسان على أرض عمان منذ ما قبل التاريخ، بل منذ العصر الجليدي الأخير قبل الميلاد، ويجدر بنا أن ننقل وصفا لشعب عمان من لدن أجنبي شهد بما رأى وعلم يقول: دونالدهولي في كتابه القيم (عمان ونهضتها الحديثة): " الشعب العماني شعب كريم ، عريق النسب، وهذه ميزة يعتز بها العرب الذين يولون اهتماما كبيرا بأنسابهم، غير أن المتعذر في الوقت الحاضر أن يقتفي المرء نسب الشعب العماني إلى أبعد من أثنى عشر ألف عام قبل الميلاد، ولقد كانت عمان في تلك الفترة أي في أواخر العصر الجليدي الأخر، أكثر أمطارا وخضارا، وأوفر غلالا مما هي عليه اليوم.... والسومريون أول من سكن عمان.
وكان أهلها يتخذون مساكنهم على مشارف الوديان، ويصيدون الغزلان والبقر الوحشي، والماعز البري، والنعام، والحيوانات الأخرى التي كانت تكثر في هذه المنطقة... وكانت أدواتهم وأسلحتهم الحجرية كـ السهام والسكاكين والكواشط والمثاقب، على مستوى عال من الجودة، وكان شيسور الواقعة في ظفار مركزا هاما لإنتاج الصوان، كما عثر على أدوات من العصر الحجري في كل من وادي بهلاء وعبري وإزكي وعلى طول سواحل شمال عمان.

هذه هي الصفات المتميزة في الإنسان العماني، والتي صقلتها الأيام حتى دعمها الإسلام وهذبها، وتبلورت مع الأيام في مواقف هذا الشعب وحروبه وبناء مطاراته، فماذا عن أشهر حلقات التاريخ العماني وعن الدول والأسر التي حكمتها منذ القديم إلى الآن .

عرفت عمان عبر التاريخ دولا تعاقبت على حكمها ويمكن تلخيص أشهر فترات حكمهم فيما يأتي:
1- دولة عمان بن قحطان بن هود النبي عليه الصلاة والسلام، ولا تلتفت إلى الخلاف بين المؤرخين في هذا المجال، ولعل في ظلهم كانت هجمة الفرس الأولى الذي طردوا في ظروف يجهلها الباحثون.

2- دولة مالك بن فهم الأزدي والذي كان ملكا عظيما وأخباره تغطي مساحة كبيرة من مصادر التاريخ العماني ، وهو الذي طرد الفرس ووضع لعمان دولة عربية عظيمة ، فقد قدم من اليمن قبل انهيار سد مأرب، ويقول الشيخ نور الدين السالمي في (تحفة الأعيان 1/25) بأن ذلك كان قبل الإسلام بألفين عام، ويعتبر المؤرخون أن دولتهم تعد أول دولة حكمت عمان ، وطردت منها الفرس ، وكانت دولتهم تمتد في شبه الجزيرة والشام والعراق وشرق الجزيرة وجنوبها ، فقد دخل مالك العراق ومكث فيها اثنتي عشرة سنة قبل أن يدخل عمان، ويترك ابنه جذيمة الأبرش حاكما على العراق ، ومنه امتد ملكه إلى الشام، ولما دخل مالك عمان ، وانتصر على الفرس في ملاحم عز نظيرها، امتد ملكه إلى نجد، ومن منا من يجهل قوته وقوة أبنائه فراهيد: وهناة وسليمة - الذي حكم الفرس - ويكفي مالكا فخرا لكونه أول من أظهر الجزيرة العربية من تطلعات الفرس، ووضع أول حصانة لهم ضد الغزاة.

3- دولة بني الجلندى الذي ينتسب إلى معولة بن شمس الأزدي وكان أول ملوكهم عبد عز بن معولة بن شمس، وكان من أعز الناس نفسا وأبعدهم همة وأقواهم نفوذا وهو الذي قال فيه احد الشعراء:

ولو عبدعز أم بالجيش كبكبا لزلزل بالجيش العماني كبكبا

وقد بلغ ملكه اليمامة والبحرين، وكان ولده المستكبر من أعظم ملوك آل الجلندي، كان هذا قبل الإسلام ، فلما ظهر نور هذا الدين الحنيف ، كان ملكهم على عمان هو الجلندى بن المستكبر الذي أسلم – في خلاف بين المؤرخين – ويقال أنه مات قبل الإسلام، وأن الذي أسلم هما ابناه جيفر وعبدالجلندى أبقاهما الرسول صلى الله عليه وسلم – على يد عمرو بن العاص – ملكين على عمان، وظلوا كذلك حتى كانت تلك المعارك الرهيبة بينهم وبين الحجاج الذي ذاق منهم الأمرين ، واستمرت الأسرة تحكم عمان بين مد وجزر إلى أن ظهرت.

4- دولة اليحمد الأزدية التي حكمت عمان بين سنة 175/791م – 969/1560م وهي دولة حكمت عمان مرتين بينهما حكم حكمها غيرهم من العرب،إلى أن عم الصراع القبلي بينهم وبين بني نبهان التي سنذكره لاحقا.
يعود نسب هذه الدولة الأزدية إلى خروص بن شاري بن اليحمد إلى يعرب بن قحطان بن هود عليه السلام. وقد توالى على عمان من ملوك هذه الدولة التي اشتهرت بالعلم والعدل والفضل والإصلاح، وحملت المسئولية الكبرى على أعظم مستوى بصدق وأمانة ، فنجد فيهم عدالة الحاكمين، وزهد القادرين، وقوة الودعاء ، ووداعة الأقوياء " كان نظام ملكهم الإداري هو النظام الإداري للخلفاء الراشدين، وقد اهتمت دولة اليحمد بنشر العلم والحضارة والعدالة والإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

كان من أعظم ملوكهم محمد بن أبي عفان (175-791هـ) الذي تناقض المؤرخون في وصفه بأنه " كان رجلا قوي الإرادة ماضي العزيمة، صعب الشكيمة، هماما بطلا شجاعا، ولكنه كان جبارا غير مرضي السيرة، فخلعه الشعب في سنة 177هـ، وولي مكانه الوارث بن كعب (177-793ـ) الذي انتخبه العمانيون، وكان مضرب المثل في العدل والحلم والجود والأمانة والتقوى.... غيورعلى الوطن مجاهد في سبيل الله وبعد موته ، تولى الملك غسان بن عبدالله سنة (192-207هـ) وكان قمة في المجد والعلم والعدل، علامة... بصيرا بأموال الناس عارفا بهم، سديد الرأي يحسب عاقبة كل أمر بدقة" وتوالى ملوكهم إلى أخرهم وهو عبدالله بن محمد ، لكن راشد بن سعيد المتوفي عام 445هـ والمدفون بنزوى كان أعظم المتأخرين ، يصفه المؤرخون بأنه كان عالما كبيرا وشاعرا مجيداً أديباً بارعا، فهو معدود من العلماء والشعراء، وبالتالي كان غيورا على الوطن المقدس، مناضلاً عنه، يجاهد في سبيل الله لا يخاف في الله لومة لائم". وبعده ظهر بنو نبهان هنا وهناك يعلنون التمرد، لكن أهل العلم والصلاح كانوا ينصبون إماما في كل عمان .
وأغلب الأئمة في هذه الفترة المتأخرة كانوا من أل اليحمد، فيعود الحكم إليهم إلى أن ظهرت.

5- دولة بني نبهان الأزدية: أول ما يواجهنا في هذه الدولة هو صمت المؤرخين القدماء والمحدثين عن البداية الحقيقية لقيام هذه الدولة، وذلك بسبب تقاسمها الحكم على السلطة ، أو على مناطق منها مع دولة اليحمد، وقد كانت تتبادلان السلطة كلما جار بنو نبهان يعود اليحمد- في شخص ملوكهم المتأخرين إلى الحكم ، ويطعن الباحث أحمد درويش فيما ذهب إليه على عبدالخالق من عهد النباهنة كان (549-805هـ) مؤكدا أن الفترة الحقيقية هي (632-1024هـ) ومع هذا فإن الغموض يظل قائما برغم استقراء درويش لما قاله كل من نور الدين السالمي وابن رزيق ومن سار في ركابهما.

أما عن مدة حكم هذه الدولة وهي نحو خمسة قرون – على الأرجح – فقد كانت تراوح في نظر المؤرخين – بين الإشادة بسلوك ملوكهم ومواقفهم ، وبين انتقاءهم خصوصا في آخر ملوكهم ، ويعكس هذا التناقض بين الإشادة والإدانة ، ابن رزيق نيابة عن المؤرخين في قوله: " إن بني نبهان كانوا ملوكا عظاما بعمان، ولهم فيها من الحكام والملاحم شأن وأي شأن" ثم يقول في موضع آخر "... وبالجملة إن ملوك بني نبهان لم يكن منهم إمام ولا ملك عادل "ولعله يقصد أخر ملوكهم، يدل على ذلك ورود أخر شهادة معتدلة لأبي إسحاق اطفيش الذي يقول " آل نبهان الذين ملكوا عمان فترة من الإمامة من حدود منتصف القرن السادس الهجري إلى القرن العاشر الهجري، وكانوا على شيء من بذخ الملك والجبروت وأبهة السلطان، وكثير منهم ينزع إلى الشهوات، ولهم شعراء فحول مدحوهم بطوال القصائد ، بشعر من أرقى طبقاته، يؤخذ من ثناياه ، أن ملك بني نبهان، كان على جانب من القوة والسطوة، والمدنية الآخذة بقسط من الابتكار والإنشاء والعمران، ولم يكونوا راغبين في شهوات فقط...." وقد تعاقب على الملك منهم خمسة عشر ملكا ، كما عرفوا شعراء فحولا أمثال: سليمان النبهاني، والستالي والكيذاوي، وابن النظر، وغيرهم، وإذا كان البرتغاليون قداحتلوا في عهدهم سواحل عمان ( مسقط وقريات وصور وصحار وغيرها، ف لليعاربة فضل في طردهم.

6 – ثانيا اليعاربة: تولت هذه الأسرة قيادة عمان بعد أفول نجم النبهانيين، وكان " المؤيد ناصر بن مرشد بن مالك بن أبي العرب.... أول إمام اليعاربة وأول من قامت به دولتهم" وهي الدولة الخامسة بعد الدولة الأولى لمالك بن فهم، والثانية لبني الجلندى، والثالثة لآل اليحمد والرابعة لبني نبهان، و " كانت دولة اليعاربة – الخامسة – مضرب المثل عظمة وهيبة واتساعا" والإمام ناصر هذا (1034-1059هـ / 1624-1649م) هو الذي أخمد الفتن ووحد البلاد بقوته وإيمانه وكراماته التي أفاض المؤرخون في الحديث عن أعماله وأخلاقه وإيمانه وتقواه. كما كانت له مع البرتغاليين حروب انتهت بإجلائهم من كل عمان على يد سلطان بن سيف، بعد أن أذاقهم ناصر الويل الذي انتهت بالصلح ودفع الجزية.
وهكذا تستمر دولة اليعاربة بين القوة والضعف حتى انتهت بعد عظمة في النصر وإخماد الفتن وبناء القلاع والحصون – إلى الانهيار على يد الأسرة البوسعيدية .

7: البوسعيديون: " كان الاحتلال البرتغالي لبلاد عمان في ق17 هو سبب ظهور اليعاربة، فكذلك كان الوجود الفارسي في عمان في ق18 هو السبب في انتقال الحكم إلى البوسعيد" وكانت دولة البوسعيديين التي تحكم سلطنة عمان الآن، قد تحركت لقيادة الأمة بفضل " أول هذه الدولة أحمد بن سعيد بن أحمد بن محمد البوسعيدي، وهو أبو ملوك العصر " (1154هـ / 1741م-1188هـ / 1774م)، وإذا كانت الأحداث التاريخية لا تهمنا إلا بقدر ما تشخص الظاهرة الشعرية ومحيطها الأدبي والثقافي مع مؤسسات هذه الظاهرة ومراكزها، فإننا نكتفي باللائحة الآتية لملوك آل بوسعيد، مع وقفات يفرضها السياق الشعري وأهمها الشعر خارج عمان مثلما نعلم من نهضة بزنجبار، وهذه هي اللائحة:
1- أحمد بن سعيد (1154هـ /1741م).
2- سعيد بن أحمد (1188هـ / 1774م).
3- سلطان بن أحمد (1206هـ / 1791م).
4- سعيد بن سلطان (12019هـ / 1806م).
5- ثويني بن سعيد (1273هـ / 1856م).
6- سالم بن ثويني (1283هـ / 1866م).
7- عزان بن قيس (1285هـ / 1868م).
8- تركي بن سعيد (1287 هـ / 1870م).
9- فيصل بن تركي (1305هـ / 1887م).
10- تيمور بن فيصل (1332هـ / 1913م).
11- سعيد بن تيمور (1351هـ / 1972م).
12- قابوس بن سعيد (1970م / ........).

ولقد استمرت الدولة تتمتع بقوى بحرية هائلة تثبت به أمبراطوريتها على جزء من الفرس والهند وزنجبار وعمان بالطبع، وتنهض مع الأسطول تلك التجارة التي مثلت فيها أكبر ملتقى للطرق بين الهند وأفريقيا ودول الخليج، ومن جهود ما يعنينا كانت هناك نهضة أدبية وشعرية جيدة، ترعرعت بتشجيع الملوك، بل لقد كان منهم شعراء، وما قصيدة سعيد بن أحمد المشهورة:

يا من هواه أعزه وأذلني كيف السبيل إلى وصالك دلني

ويمكن أن نشير إلى تلك الإمبراطورية التي ترامت أطرافها لنتأكد من قوة الأسرة التي بنتها وساست شعوبها ودافعت عن وحدتها ضد الطامعين من الفرس والبرتغال والعثمانيين والفرنسيين والهولنديين والإنجليز، ولا يستطيع المرء إلا أن يقف وقفة إجلال وإعجاب لأولئك الأئمة الأقوياء الذين حكموا عمان في فترة كانت فيه الدولة العثمانية مسيطرة على جميع الأراضي العربية، واستطاعوا بشجاعتهم أن يحتفظوا باستقلال دولتهم على مر العصور، ضد كثير من النزاعات القبلية والأطماع الخارجية، نعم إن هذا النص ينسحب على فترات تاريخية طويلة قبل البوسعيديين ويمكن أن يعكس استمرار هذه القوة ونماءها واتساع الدولة فيها على أيديهم، فعمان هي التي أنجبت مؤسس الإمبراطورية العمانية السيد سعيد بن سلطان الذي اتخذ من زنجبار عاصمة لأمبراطوريته، حيث امتدت في الممالك الإفريقية لمسافة ألف ومائة ميل على الساحل الشرقي لإفريقيا، وفي الداخل إلى البحيرات، فكانت زنجبار مفتاح شرق أفريقيا ومركزا من مراكز الثقافة في المحيط الهندي، وكان التجار العرب والسواحليون حاملو علم السلطان الأحمر اللون، يكونون أمبراطورية تجارية امتدت من أوغندا شمالا إلى ملاوي وزامبيا جنوبا وعلى الكونغو غربا".
وبهذا النموذج من سلسلة سلاطين أو أئمة عمان من أسرة البوسعيديين نقدم الصورة التقريبية لقوة هذه الدولة وعظمة سلطانها أحمد بن سعيد، وحفيده المؤسس والباقي سعيد بن سلطان بن أحمد .
وإذا كانت لكل شمس شروق ثم غروب ، فقد بدأ غروب هذه الأمبراطورية عندما قسمها السلطان سعيد بن سلطان بين أولاده الثلاثة وشجعت بريطانيا ذلك وعملت على تحقيقه فانقسم الأولاد على أنفسهم بعد موته وبذلك دخلت السلطة في غياهب لتغيب ، إلى أن كان ذلك التحول التاريخي الكبير في سياسة عمان الداخلية والخارجية على يد السلطان قابوس بن سعيد الذي انطلق من رؤية وطنية وعالمية في نفس الوقت، فوحد البلاد وفتحها على التطور العلمي الحديث ، فكانت عمان وكان بانيها قابوس وكانت هذه النهضة التي تنعم بها السلطنة والتي سترى نهضة الأدب بها في قسميها القديم والحديث في سباق المحاضرات اللامعة.